قبل عدة شهور إتصل بي شخص وتكلم معي باللغة التركية وكان يبحث عن معلم للسيراميك، وقد اخذ رقمي من احد اصدقائه.
قابلته في اليوم الثاني وهو يدعى فكرت اسكينوغلوويقال انه معارض تركي قديم. اصطحبني إلى الفيلا التي يملكها خارج مدينة عنتاب، كي اتفحص العمل وأعطيه سعرا ونتفق على آلية المباشرة والخ. اتفقنا على كل شي والعمل هو عبارة عن مسبح كبير، يريد الرجل أن يجدده كاملا ويغير السيراميك للاراضي والحيطان.
كان معي عاملا يدعى عبدو وهو مشاكس وفكاهي بنفس الوقت وكنت احترمه كثيرا. في اليوم الثاني عندما وصلنا الى الفيلا كان السيد فكرت ينتظرنا هناك وقبل ان نباشر بالعمل امسك بيدي وارشدني الى المزرعة التي تقع خلف المسبح مباشرة. وأشار بيده اليمنى واليسرى ووضعها على كتفي، ثم قال بلهجته العنتابية.
"يا بني أنا أحب كل شيئ في حديقتي ومزرعتي واقدسها تقديسا وأتمنى وأرجو ان تحاولوا قدر المستطاع ان لا تقتربوا من أي شيئ مهما كانت الأسباب لأن النتائج ستكون سلبية علي. فمثلا اترى اشجار التفاح تلك؟"
هززت براسي مشيرا الى أنني أراه.
قال ارجوك لا تقترب منها وانا سأجلب لكم التفاح من المدينة حال عودتي.
قلت لاااا(yuuuuuk) نحن ان شاء الله لن نتقرب، عيب نحن نقدر حبك لثمار أشجارك.
ثم التفت الى الجهة الثانية وقال هل ترى أشجار المشمش هناك .قلت نعم .قال ارجوا أن لا تقتربوا منها لأنني ساكل منها أول مرة وأريد أن أراها وهي تكبر .
ثم أشار إلى الكرز والتوت وبستان الخيار وووووالخ.وفي كل مرة ينصحني بأن لا نقترب وأنا أرد عليه بنفس تلك الإجابة (yuuuuk).
ثم غادرنا ونحن بدورنا بدأنا بالعمل.
وفي منتصف النهار لعب الشيطان برأس عبدو العامل، وقال يا معلم هل اذهب لقطف القليل من الخيار انها تبدو طازجة جدا. قلت له لا حذاري ان تذهب.ولكن بعد قليل أحسست أن عبدو على حق ولكن بذكائي الشديد قلت يا عبدو هؤلاء أغنياء ولربما يضعون كاميرات المراقبة في الفيلا اذهب وتفحص جيدا ومن ثم عد إلي .
بعد قليل عاد عبدو وهو يبتسم ويقول لي يا معلم لا توجد سوى كاميرا واحدة، وقد وضعت على الباب الرئيس من الفيلا والباب ليس في هذا الاتجاه كليا.
قلت له اذا فالطريق لنا. قال باذن الله.
وصرنا بين الفينة والأخرى نغزوا تلك المزرعة والأشجار ونأكل ما طاب ولذ وباعتباري اكبر منه بسنة انصحه بالتخلص من المخلفات كي لا نبقي للجريمة أثر.
عند الساعة الرابعة جاء السيد فكرت وسلم علينا كعادة الاتراك ثم ذهب كي يبدل ثيابه ويأتي إلينا.وعند عودته سلم للمرة الثانية ثم ناداني.
قال يا بني انا احب مزرعتي كثيرا وتلك الاشجار والمزروعات .ارجوا ان لا تقتربوا وإذا اشتهيتم فأخبرني على الهانف وانا سأجلب لكم من السوق وووووووالخ.
وانا كالعادة اجاوبه ب لاااااااا.
وفي اليوم الثاني ايضا وصلنا فتح لنا الباب واسمعني تلك المحاضرة عن المزرعة ومدى حبه له وغادرنا ونحن بعده مباشرة كنا نرعى بين المشمش والخيار ونرمي الفضلات وأدوات الجريمة خارج الفيلا.
وكعادته عاد في الرابعة مساءا سلم علينا ثم دخل وخرج الينا وناداني واسمعني تلك الموشحة ثم غادر.
في اليوم الثالث،
وصلنا وفتح لنا الباب واسمعني تلك الكلمات التي حفظتها عن ظهر قلب ومضى وانا بعد قليل كنت أعسكر مع عبدو في منتصف الحقل كالعادة.
في الرابعة مساءا جاء فكرت سلم علينا ومن ثم دخل الى الفيلا وبعد دقائق خرج وناداني ثم لقنني تلك الكلمات عن مدى حبه للمزرعة وووو.
كعادتي قلت له لااااااااا ان شاء الله لن نقترب منها.
ولكن هذه المرة قال اخلع من رجلك وتعال معي الى الداخل.
وعندما دخلت معه اخذني الى غرفة فيها اثنا عشرة تلفازا.
قال انظر جيدا، اقتربت من التلفاز لأنظر بدقة .رايت في التلفاز شابين يشبهانا تماما رأيت واحدا يحمل في جعبته كومة كبيرة من الخيار وتلاحقه الكاميرا وكأنه فلم لمخرج عظيم.
وعندما يختفي عن الأنظار لعدم قدرة تلك الكاميرة ملاحقته، يبدأ عمل الكاميرا الثانية وهكذا. شاهدت كيف كنا نقطف التفاح ونأكل منها النصف ونلقي بالنصف الاخر خارج الفيلا.
ثم أوقف المشهد ونظر الي وقال ما هذا؟
تمتمت بفمي وبلكنتي التركية الهشة قلت له لا أعلم.
ومنذ ذلك اليوم وأنا أكره التفاح.
- أحمد، مهندس البناء، عمره 33 عاماً، يعيش في تركيا منذ حوالي 9 سنوات
Comments